بسم الله الرحمن الرحيم
نزلت هذا الموضوع لانة كثر في هذا الزمن الحسد والعين ولا حول ولا قوة الا بالله
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فهذا عرض ـ مع شيء من الترتيب والإضافة ـ لكلام الشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ في سورة الفلق على قوله تعالى { ومن شر حاسد إذا حسد } .
والله اسأل أن يرحم الشيخ عطية محمد سالم ، وأن ينفعنا بما نكتب ونقرأ ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
(1)علاقة الحسد بالسحر :
اقتران الحسد بالسحر هنا ، يشير إلى وجود علاقة بين كل من السحر والحسد ، وأقل ما يكون هو التأثير الخفي الذي يكون من الساحر بالسحر ، ومن الحاسد بالحسد مع الاشتراك في عموم الضرر ، فكلاهما إيقاع ضرر في خفاء ، وكلاهما منهي عنه .
فالعلاقة بين السحر والحسد من جهتين :
أولاهما : أن إيقاع الضرر بالمسحور أو المحسود عن طريق الخفاء .
والآخر : أن كلاهما منهي عنه .(2) تعريف الحسد :
الحسد هو تمني زوال نعمة الغير ، أو تمني عدم حصول النعمة للغير شحاً عليه بها .
تنبيه :
قيدت الاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد ، ولم تقيد من شر الساحر إذا سحر ، وذلك ـ والله تعالى أعلم ـ أن النفث في العقد هو عين السحر ، فتكون الاستعاذة واقعة موقعها عند سحره الواقع منه بنفثه الحاصل منه في العقد .
أما الحاسد فلم يستعذ منه إلا عند إيقاعه الحسد فالفعل ، أي عند توجهه إلى المحسود ، لأنه قبل توجهه إلى المحسود بالحسد لا يتأتّى منه شر ، فلا محل للاستعاذة منه .
(3) الحسد أشد خفاء من السحر :الحسد أشد خفاء ، لأنه عمل نفسي وأثر قلبي ، وقد قيل فيه : إنه كإشعاع غير مرئي ، ينتقل من قلب الحاسد إلى المحسود ، عند تحرقه بقلبه على المحسود .
(4) إنكار الفلاسفة للحسد :
أنكر بعض الفلاسفة وقوع الحسد ، حيث إنه غير مشاهد ، وهم محجوجون بكل موجود غير مشاهد ، كالنفس والروح والعقل .
وقد شوهدت اليوم أشعة [ إكس ] وهي غير مرئية ، ولكنها تنفذ إلى داخل الجسم من إنسان وحيوان ، بل وخشب ونحوه ، ولا يردها إلا مادة الرصاص لكثافة معدنه ، فتصور داخل جسم الإنسان من عظام وأمعاء وغيرها ، فلا معنى لرد شيء لعدم رؤيته .
(5) النعم التي يحسد عليها المسلمون :نبّه القرآن الكريم على أعظم النعم التي حسد عليها المسلمون عامة ، والرسول صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهي نعمة الإسلام ونعمة الوحي .
فأهل الكتاب حسدوا المسلمين على الإسلام في قوله تعالى { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } .
والمشركون حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نعمة الوحي إليه ، كما في قوله تعالى { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } ، والناس هنا عام أريد به الخصوص ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم .(6) أنواع الحسد :
ينقسم الحسد إلى قسمين :
أحدهما : الحسد في نعمة موجودة ، كما في حسد أهل الكتاب للمسلمين على الإسلام ، كما في الآية المتقدمة .
والآخر : الحسد في نعمة متوقع وجودها ، كما في قوله تعالى { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً } .
فتبين بنص القرآن أن الحسد يكون في نعمة موجودة ، ويكون في نعمة متوقع وجودها .
(7) الفرق بين الحاسد والعائن :
الحاسد والعائن يشتركان في الأثر ، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق ، والفرق بينهما :
أن الحاسد قد يحسد ما لم يره ، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه ، ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود ، ويتمنى زوالها عنه ، أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس .
والعائن لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل ، ومصدره انقداح نظرة العين ، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله ، وقد يطلق عليه أيضاً الحسد .
(8) الحسد والغبطة :
قد يطلق الحسد ويراد به الغبطة ، وهو تمني ما يراه عند الآخرين من غير زواله عنهم ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها بين الناس )) .
(9) أول معصية وقعت هي الحسد :
إن أول معصية وقعت هي الحسد ، وجر شؤمها إلى غيرها ، وذلك لما حسد إبليس أبانا آدم ـ عليه السلام ـ على ما آتاه الله من الكرامات من خلقه بيديه ، وأمر الملائكة بالسجود له ، فحمله الحسد على التكبر ، ومنعه التكبر من امتثال الأمر بالسجود ، فكانت النتيجة طرده ، عياذاً بالله .
(10) أسباب الحسد :
وبتأمل قصة آدم ـ عليه السلام ـ ورفض إبليس السجود ، يظهر أن الحامل على الحسد أصله أمران :
الأول : ازدراء المحسود .
الثاني : إعجاب الحاسد بنفسه ، كما قال إبليس معللاً لامتناعه من السجود { أنا خير منه } ، ويلحق بذلك جميع الأسباب .(11) دواء الحسد :
دواء الحسد على سبيل الإجمال في أمرين :
أحدهما : العلم ، وهو أن يعلم يقيناً أن النعمة التي يراها على المحسود ، إنما هي عطاء من الله بقدر سابق وقضاء لازم ، وأن حسده إياه عليها لا يغير من ذلك شيئاً ، ويعلم أن ضرر الحسد يعود على الحاسد وحده في دينه لعدم رضائه بقدر الله وقسمته لعباده ، لأنه في حسده كالمعترض على قوله تعالى { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } ، وفي دنياه لأنه يورث السقام والأحزان والكآبة ونفرة الناس منه ومقتهم إياه ، ومن وراء هذا وذاك العقاب في الآخرة .
والآخر : العمل ، وهو أن يجاهد نفسه ضد نوازع الحسد ، كما تقدمت الإشارة إليه في الأسباب ، فإذا رأى ذا نعمة فازدرته عينه ، فليحاول أن يقدره ويخدمه .
وإن راودته نفسه بالإعجاب بنفسه ، ردّها إلى التواضع وإظهار العجز والافتقار .
وإن سوّلت له نفسه تمني زوال النعمة عن غيره ، صرف ذلك إلى تمني مثلها لنفسه ، وفضل الله عظيم .
وإن دعاه الحسد إلى الإساءة إلى المحسود ، سعى إلى الإحسان إليه وهكذا ، فيسلم من شدة الحسد ، ويسلم غيره من شره .
وهذه بعض المسائل المتعلقة بالعين :
(1) العين حق :
الإصابة بالعين حق لا شك فيها ، وجاء فيها (( لو أن شيئاً يسبق القدر لسبقته العين )) ، وحديث (( إن العين حق )) .
وهذا أمر مجمع عليه من أهل السنة وسلف الأمة .
(2) من أتلف شيئاً بالعين :
في المسألة خلاف ، ومال الشيخ إلى أن من أتلف بعينه وكان معتاداً منه ذلك فهو ضامن ، وقال : وهذا معقول المعنى ، والله تعالى أعلم .
(3) يمنع الإمام العائن من مخالطة الناس :
نقل ابن بطال عن بعض أهل العلم : أنه ينبغي للإمام منع العائن ـ إذا عُرِفَ بذلك ـ من مداخلة الناس ، وأنه يلزمه بيته ، فإن كان فقيراً رزقه ما يقوم به ، فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر ـ رضي الله عنه ـ بمنعه من مخالطة الناس ، وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة .
قال النووي : وهذا القول صحيح متعين ، لا يعرف من غيره تصريح بخلافه .
(4) الواجب على من ابتلي بالعين :
من ابتلي بالعين ، فليبارك عند رؤيته ما يعجبه لئلا يصيب أحداً بعينه ، ولئلا تسبقه عينه ، وهو أن يقول عند رؤية ما يعجبه : تبارك الله .
وكذلك من اتهم أحداً بالعين فليكبر ثلاثاً عند تخوفه منه ، فإن الله يرفع العين بذلك .
وقد رود في بعض روايات سهل بن حنيف (( هلا كبرت )) .
ويجب عليه إذا أصاب أحداً أن يغتسل له ، وهذا ظاهر من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة بالوضوء .
(5) علاج العين :
علاج العين يكون من طريقين :
أحدهما : أن يعرف العائن ، فيجب عليه أن يغتسل لأخيه ، وصفة الغسل كما رُوِيَ عن الزهري أنه قال : الغسل الذي أردكنا علماءنا يصفونه :
أن يؤتى العائن بقدح فيه ماء ، فيمسك مرتفعاً من الأرض فيدخل فيه كفه فيمضمض ، ثم يمجه في القدح ، ثم يغسل وجهه في القدح صبة واحدة ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على كفه الأيمن ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ظهر كفه اليسرى صبة واحدة ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفقه الأيمن ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على قدمه اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على قدمه الأيسر ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ركبته اليسرى ، كل ذلك في قدح ، ثم يدخل داخلة إزاره في القدح ، ولا يوضع القدح في الأرض ، فيصب على رأس المعين من خلفه صبة واحدة ، وقيل : يغتفل ويصب عليه ، أي في حالة غفلته ، ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض وراءه .
وأما داخلة إزاره : فهو الطرف المتدلي الذي يفضي من مأزره إلى جلده مكانه ، إنما يمر بالطرف الأيمن على الأيسر ، حتى يشده بذلك الطرف المتدلي الذي يكون من داخل .
أو أخذ الأثرمن أي شيء مسه العائن من ريق أو عرق لأن المقصود هو رائحة العائن لكي تطرد شيطانه المتسلط على المعيون فيؤخذ مثلاً: بقايا أكله أو شربه أو ما مسه جسده من المباحات كمسح مقبض الباب ولو لمرة واحدة فإنها نافعة بإذن الله كما هو مشاهد ، ولا يكرر أخذ الأثر لأنه أشبه بالتطعيم لمرة واحدة فقط .
ويضاف الماء على هذا الأثر فيشرب أو يغتسل منه .
الآخر : بالرقية الشرعية ، وهذ رقية شرعية مجربة ، ونافعة بإذن الله :
يقوم المريض أو من هو معروف بالتقوى من الأقارب وبدون تكلف ، بقراءة الايات التي سأذكرها ، ويفضل أن تقرأ في ماء زمزم وإن تعذر فبأي ماء ، ثم يتوضأالمريض عند النوم ، ويشرب منه ، وإن اغتسل منه فهو أفضل ، ولو مرة أو مرتين ، وأما الشرب فكل ليلة يستمر عليه ويستعمله وهو طاهروكذلك المرأة .
(1) سورة الفاتحة سبع مرات .
(2) آية الكرسي ثلاث مرات .
(3) خواتيم سورة البقرة ثلاث مرات .
(4) قوله تعالى { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان .. الآية } من سورة البقرة.
(5) قوله تعالى { وننزل من القرآن ما هو شفاء .. الآية } من سورة الإسراء .
(6) أول عشر آيات من سورة الكهف .
(7) سورة الملك .
(8) سورة القلم .
(9) سورة الجن .
(10) سورة الإخلاص ثلاث مرات .
(11) سورة الفلق ثلاث مرات .
(12) سورة الناس ثلاث مرات .
(13) دعاء ((أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك)) .
(14) دعاء ((اللهم ربّ الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)) .
بعد هذه الرقية ربما تشعر بحرارة وضيق شديدين ، فاستمر وسيزول ما بك بإذن الله .
(6) علامات المصاب بالعين :
من علامات الإنسان المصاب بالعين : صداع ،وصفرة وجه ،وكثرة تعرق ، وتبول كثير ، وكثرة تجشُّاٍ وتثاؤب، وقلَّة نوم أو كثرته، وضعف شهية ، ورطوبة يديه ورجليه مع تنمل فيهما ، وخفقان في القلب ،وخوف غير طبيعي، وغضب وانفعال شديدان، وحزن وضيق في الصدر، وألم أسفل الظهر وبين الكتفين ،وأرق بالليل . وقد توجد هذه العلامات كلها أو بعضها على حسب قوة العين وكثرة العائنين ، كما أنها قد توجد في غير المصاب بالعين بسبب مرض عضوي او نفسي .
والله تعالى أعلم .